التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

كيف نبدع أفكارًا مستحيلة في أدب الطفل؟

  يسأل الكثير عن آليات كتابة أدب الطفل، والسؤال الأهم دائمًا: ما هي الأفكار المناسبة لنكتب عنها قصصًا وننشرها؟ الموضوع في غاية السهولة؛ إذا كان لديك أطفال في المنزل، أبناؤك أو أبناء أحد أقربائك، لاحظ تصرفاتهم باستمرار، ركز على سلوكياتهم السلبية؛ لا يغسل أسنانه، لا يطيع والديه، يفتعل الفتنة مع بقية الأطفال.. إلخ. فكر بعد ذلك في كيفية كتابة قصة لمعالجة هذا السلوك. اجمع هذه الأفكار كلها..   ولا تكتب أي شيء منها. دائمًا ما بدا لي أن النص بمجرد انزلاقه إلى الحالة التوجيهية للقارئ، يفقد كامل أدبيته. وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنني أطالب بتفريغ الأدب من الرسائل والقيم الإنسانية، لكنه لا يعني أيضًا أننا من أجل صناعة أدب رسالي هادف نحول النصوص إلى نصوص وعظية.  لا أذكر أين قرأت مرة أنه "ليس من وظيفة الأدب تقديم الإجابات، إنما فتح أبواب الأسئلة والتأملات". وهذا يصدق أيضًا على أدب الطفل، ومن المتوقع أن يكون الكاتب مدركًا لهذا المبدأ الأساسي الذي يشكل روح الأدب. إذن أين المشكلة؟ لماذا ينحو العديد من كُتاب أدب الطفل لأسلوب يسعى لفرض فكرة، أو تقويم سلوك من خلال بناء نصوص مغلقة تتجه...
آخر المشاركات

القارئ المنخل

  من حق كل إنسان أن يقرأ بالطريقة التي تعجبه وللغايات التي يرتضيها؛ اقرأ للمتعة، لتضييع الوقت، للهروب من الواقع، اقرأ لأنك لا تجيد فعل أي شيء آخر، اقرأ لأنك تعتقد أن قيمتك بالحياة مرتبطة بالقراءة، اقرأ لتلفت انتباه قارئ من الجنس الآخر. لا أنا ولا غيري من حقه أن يسلبك هذا الحق. لو اشترى أحد سيارة باهظة الثمن وقرر أن يحولها إلى غرفة تخزين ملابس، أو سلة مهملات يرمي فيها قمامته أو حتى أن يحرقها.. أمواله وسيارته وهو حر في التصرف به كما شاء.   لكننا لو أردنا الحكم على السيارة من منطلق الغاية الوظيفية التي صنعت من أجلها والتي بناء عليها تحددت قيمتها، سنقول أن هذه السيارة - وفقًا لهذا الاستخدام - لم تؤد وظيفتها وربما ما عادت سيارة بعد ذلك.  تكمن قيمة القراءة في كونها أداة بناء معرفي. [1]  وهذه الوظيفة المعرفية للقراءة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال ممارسة نقدية من قِبل القارئ تجاه النص تكون بمثابة  المنخل  الذي يصفي الأفكار وينقحها. بمقاربة استعارية، تقوم وظيفة المنخل (المصفاة) على ثنائية أساسية في بنيته وهي ثنائية القبول والرفض. فمن خلال حجم الفتحات الموجودة في قاعه...

إن صحّت تسميته وجودًا

  البحر والحزن، لقد تم استهلاك هذه العلاقة بالأدب حتى صارت كليشيها، قال إسماعيل لنفسه وسرعان ما أجابته: لكن الكليشيه لم يصبح كليشيهًا إلا لتشبع الواقع منه، إنه حقيقي وشعري أكثر من كل الاستعارات التي نحاول أن نستحدثها. رمى بصخرة ملساء على الماء، قفزت قفزة واحدة وغرقت في الثانية، تلاشت في السواد، سواد امتزاج الليل والحزن في الماء. حتى هذا الفعل يعتبر كليشيهًا، قال لنفسه مرة أخرى. تريثت نفسه هذه المرة قليلًا حتى وجدت التبرير المناسب، ثم ردت: الناس تأخذ الأمور على ظاهرها ولا تفكر ولو قليلًا في ما وراء هذا الظاهر، هل من الصدفة أن يتفق البشر في كافة أرجاء الأرض على هذا السلوك ويمارسوه كأي فعل غريزي؟ أن تقذف صخرة في البحر حين تحزن كأن تشرب الماء حين تعطش. أظن الموضوع يحمل عمقًا وجوديًا؛ إنها محاولة الإنسان لإعادة خلق الوحدة الأولى للكون، يقذف اليابسة على الماء، يلم شتات كل هذا التبعثر. كفى إنك تفلسف كل شيء، قالت له نفسه. “إنك تفلسف كل شيء” إنها التهمة نفسها التي اتهمه بها صديقه محمود في لقائهما الأخير والذي كان خاتمة صداقة استمرت أربعة عشر عامًا. ها هي التهمة ترسبت في وجدانه وتعيد بصق نفس...

جدلية الهامش.. بين التمثيل السردي والواقع الاجتماعي

* هذه الورقة قدمتها في مهرجان المربد الشعري في العراق سنة ٢٠١٩، ونشرت بعد ذلك في كتاب " في حضرة المنسي" صدر عن دار كتارا للنشر، وهو كتاب لمجموعة مؤلفين يضم مجموعة من المقالات في أدب المرحوم إسماعيل فهد إسماعيل. جدلية الهامش.. بين التمثيل السردي والواقع الاجتماعي قراءة تطبيقية في رواية السبيليات [1] يبدو أن شيوع استخدام مصطلح ما لا يعني بالضرورة وضوح دلالته، وهذا الأمر قد يصدق أكثر على المصطلحات ذات الطابع العلمي أو الفلسفي أو الأكاديمي. ربما لا يختلف إثنان على دلالة لفظ "نخلة" أو ربما يختلفان على دلالة لفظ "صنبور" هل نشير به إلى ذلك الجزء المخصص للاستحمام أم لغسيل اليد، لكن من الممكن بسهولة أن يتفقان بعد أن يوضح المتحدث مقصده. لكن ماذا عن مصطلحات مثل: مثقف، إبداع، فن؟ ومن المفارقة اننا قد نستخدم في حياتنا اليومية هذه الألفاظ أكثر مما نذكر النخلة. ربما سقراط كان أول من انتبه لهذه المعضلة حين كان يجادل محاوريه في معاني ألفاظ مثل " الفضيلة أو العدالة " ألفاظ لا ينفكون يذكرونها في أحاديثهم بثقة من يتحدث عن النخلة ويشير إليها و...